اطلعنا على هذا السؤال . ونفيد أن العلماء قد اختلفوا فى التلفيق وهو ما إذا قلد الشافعى مثلا فى عدم فرضية للأعضاء المغسولة فى الوضوء أو الغسل، وقلد مالكا مثلا فى عدم نقض الوضوء باللمس بلا شهوة وصل فإن صلاته باطلة فى المذهبين . أما عند مالك فلترك الدلك فى الوضوء وأما عند الشافعى فلنقض الوضوء باللمس مطلقا . ففريق ذهب إلى صحة التقليد مطلقا ولو فى مثل هذه الصورة الملفقة من مذهبين على الوجه المذكور وإلى ذلك ذهب الكمال بن الهمام فى التحرير، حيث صرح بجواز التقليد مطلقا، وقال وقيده متأخر بأن لا يترتب عليه ما يمنعانه، قال شارحه ابن أمير حاج وقيده - أى جواز تقليد غير مقلده - متأخر، وهو العلامة القرافى بأن لا يترتب عليه - أى تقليد الغير - ما يمنعانه بإيقاع على وجه يحكم ببطلانه المجتهدان معا لمخالفة الأول فيما قله فيه غيره، والثانى فى شىء مما توقف عليه صحة ذلك العمل عنده . وأيد ذلك الشيخ عبد العظيم محمد المكى فى رسالته فى التقليد حيث قال ما نصه (قد استفاض عند فضلاء العصر منع التلفيق فى التقليد، وذلك بأن يعمل مثلا فى بعض أعمال الطهارة والصلاة أو أحدهما بمذهب إمام، وفى البعض بمذهب إمام آخر، ولم أجد على امتناع ذلك برهانا بل قد أشار إلى منعه المحقق فى التحرير وأنه لم يدر ما يمنع منه . ونقل منع التلفيق عن بعض المتأخرين . قال شارح تحريره العلامة ابن أمير حاج وهو أى القائل بالمنع العلامة القرافى انتهى قلت والقرافى رجل من فضلاء الأصوليين من المالكية ولا علينا أن لا نأخذ بقوله . ، وقد صرح الأصوليين من المالكية ولا علينا أن لا نأخذ بقوله . وقد صرح الأصوليون بأن المجتهدين إذا اختلفوا على قولين لا ثالث لهما جاز الاجتهاد باحداث قول ثالث إن كان مفصلا وقال أيضا فى رسالته المذكورة كما لو حصل التلفيق بالاجتهاد وحكمنا بالصحة فكذلك إذا حصل التلفيق بالتقليد حكمنا بالصحة لأن الاجتهاد أصل فى العمل والتقليد فرع لأن التكليف فى الأصل إنما هو بالاجتهاد عند عدم النص . فإذا عجز عن الاجتهاد نزل إلى التقليد، ففى كل موضع قلنا بالصحة مع الاجتهاد، نقول بها مع التقليد عند العجز عنه من غير زيادة أمر آخر، وما زاد على ذلك فهو قول مخترع لا يقوم له دليل مرض ولا تنهض به حجة، وما يزعمه من منع من التلفيق من أن كلا من المجتهدين اللذين قلدهما مثلا يقول ببطلان صلاته الملفقة مثلا لو سئل عنها بانفراده ، فمغالطة مدفوعة بما إجماله إنه إنما يقول له باطلة إن كنت أخذت فى ذلك الأمر الذى حكمت أنا ببطلانها من أجله بمذهبى وأما إن كنت قلدت فيه غيرى فلا أحكم ببطلانها حينئذ فى حقك إذا كنت متمسكا بقول مجتهد، وكذلك يقول له الآخر فى الأمر الآخر فبطل قولهم فى إطلاق منع التلفيق أن كلا من المجتهدين حاكم ببطلان صلاته مثلا بل يقيد الحكم من كل مجتهد منهما ببطلانها بما إذا كان متمسكا فيها بمذهبه فيما يرى ذلك المجتهد بطلانها فعله أو تركه لا إن قلد غيره فيه فافهم، فيه تندفع تلك المغالطة التى حكم فيها من حكم بمنع التلفيق بسببه . فإن قلت لا، بل المجتهد يطلق القول ببطلانها على أريه فنقول لا يضر هذا الابطال بمن قلد مجتهدا غيره فى ذلك الأمر الذى أبطلها بسببه فسلمت له صلاته بتقليده فى كل أمر من أمورها مجتهدا يرى صحة ذلك الأمر . فصار حكم المجتهد المبطل لها معروفا عنه بتقليده من يرى الصحة بذلك الأمر . وبذلك ينصرف عنه حكم كل من المجتهدين ببطلانها . وقال أيضا إذا قلد المكلف أبا حنيفة رضى الله عنه فى أن المس غير ناقض، وقلد الشافعى رضى الله عنه فى الاكتفاء بمسح بعض قليل من الرأس لا يبلغ الربع أو ثلاثة قراريط وصلى جازت صلاته . وأن ما قيل من عدم جوازها بناء على أن أبا حنيفة يرى عدم صحتها لعدم مسح القدر المفروض عنده، والشافعى يرى عدم صحتها لوجود المس فهى غير جائزة عندهما، فهو مغالطة وإطلاق فى محل التقييد بل الحكم ببطلانها عند كل منهما بما إذا كان آخرا فى ذلك الأمر الذى حكم من حكم ببطلانها بسببه بمذهب المبطل، كما تقدم بيانه قريبا إلى أن قال وكذلك مسألة النكاح فإنه لا يصح بعبارة النساء عند الشافعى ويصح عنده الحكم على الغائب، وعندنا الحكم بالعكس فى المسألتين فإذا حكم بصحته بعد وقوعه بعبارة النساء وبصحة الحكم على الغائب فقد لفق وقد حكموا بصحة هذا الحكم الملفق من مذهبين . ونقل العلامة الطرسوسى عن منية المفتى جواز الواقعة المركبة من مذهبين وقال وقد نص فيها على الجواز وصورة ما ذكره . قال لو قضى بشهادة الفساق على غائب أو بشهادة رجل وامرأتين فى النكاح على غائب فإنه ينفذ، وإن كان من يجوز القضاء على الغائب يقول ليس للفاسق شهادة ولا للنساء فى باب النكاح شهادة هذه عبارة المنية فقد جعل الحكم وإن كان مركبا من مذهبين جائزا . وذهب فريق آخر إلى عدم جواز التقليد فى صورة التلفيق المذكورة وأيده العلامة قاسم فى ديباجة تصحيح القدورى حيث قال ما نصه . لا يصح التقليد فى شىء مركب باجتهادين مختلفين بالإجماع، كما إذا توضأ ومسح بعض الرأس ثم صلى بنجاسة الكلب قال فى كتاب توقيف الحكام على غوامض الأحكام بطلت بالإجماع . وانتصر له العلامة الشرنبلانى فى رسالته المسماة بالعقد الفريد فى بيان الراجح من الخلاف فى التقليد . وأقول إن القائل بصحة التقليد مع التلفيق يقول بصحة الصلاة الملفقة من مذهبين، والقائل بعدم جواز التقليد مع التلفيق يقول ببطلانها حيث بطلت فى المذهبين . فالأول يدعى صحة الصلاة الملفقة مثلا والثانى يدعى بطلانها وكل يطالب بالدليل، فليس أحدهما مثبتا والآخر نافيا، وعلى ذلك نقول بما لا شبهة فيه إن العلماء قد أجمعوا على صحة تقليد العامى للمجتهد الذى توفرت فيه شروط الاجتهاد . ولم يقيدوا ذلك بعد التلفيق فالأصل بمقتضى هذا الإطلاق هو الصحة، وإطلاقهم حجة بلا شبهة . فمن ادعى البطلان وأن ذلك مقيد بعدم التلفيق فعليه البرهان . وأيضا قول من قال إن من خالف كل واحد من المجتهدين اللذين قلدهما فى شىء واحد يستلزم وجود حقيقة لا يقول بها كل من المجتهدين، وذلك لأن كل واحد من المجتهدين لا يجد فى صورة التلفيق جميع ما شرطه فى صحتها، بل يجد بعضها دون بعض غير مسلم، لأنا نقول إذا خالف المقلد مذهب أحد المجتهدين فى جميع ما شرطه ووافق مذهب مجتهد آخر حكمنا بصحة صلاته . ومما لا شك فيه أن المخالفة فى بعض الشروط فى صورة التلفيق أهون من المخالفة فى الجميع، فلزم الحكم بالصحة فى الأهون بالطريقة الأولى . ولذلك قال السيد بادشاه بعد ذكر ما تقدم ومن يدعى وجود فارق أو دليل على بطلان صورة التلفيق فعليه البرهان . فإن قيل لا نسلم كون المخالفة فى البعض أهون من المخالفة فى الكل، لأن المخالف فى الكل متبع مجتهدا واحدا فى جميع ما يتوقف عليه صحة العمل، وما هنا لم يتبع واحدا . قلت هذا إنما يتم إذا كان معك دليل من نص أو إجماع أو قياس قوى يدل على أن العمل إذا كان له شروط يجب على المقلد اتباع مجتهد واحد فى جميع ما يتوقف عليه ذلك فأت به إن كنت من الصادقين . وأما ما قاله الشرنبلالى ردا على السيد بادشاه من أن السيد رحمه الله يدعى التلفيق وغيره ينفيه والثانى لا يحتاج إلى دليل لأنه يهدم دليل المدعى حتى يقيم البرهان الجلى، ولابد من وجوده فالمطلوب إثبات دليل لجواز التلفيق ولم نجده فى كلام السيد، فغير مسلم ، لما قدمناه من الإجمالى على صحة تقليد العامى للمجتهد مطلقا ولأن مسألة التقليد مع التلفيق مبنية على مسألة الاجتهاد بإحداث قول ثالث بعد انحصار الخلاف فى مسألة فى قولين . ففى كل موضع جاز الاجتهاد وإحداث قول ثالث جاز التقليد مع التلفيق . والصحيح جواز الاجتهاد وإحداث قول ثالث مفصل بين القولين بأن يأخذ بقول أحد المجتهدين فى حادثة وبقول الآخر فى حادثة أخرى إذا لم يخرق إحداث هذا القول الثالث إجماع من قبله ومما لا شك فيه أن من قلد الشافعى فى مسح بعض الرأس وقلد مالكا فى عدم نقض الوضوء باللمس بلا شهوة غاية ما لزم من هذا التلفيق أن هذين المجتهدين لا يقولان بصحة هذه الصلاة مثلا . أما ملك فيقول بعدم صحة هذه الصلاة لعدم مسح جميع الرأس . وأما الشافعى فيقول بعدم صحة هذه الصلاة لوجود المس . ولكن لا يلزم من عدم قولهما بذلك بفرض تسليم عدم القول بصحتها من مجتهد آخر لجواز أن يوجد مجتهد توفرت فيه شروط الاجتهاد يقول بعدم نقض المس وبالاكتفاء بمسح البعض كأبى حنيفة مثلا . فلا تلفيق بين مذهبين، وإنما قلد المقلد مجتهدا آخر يقول بصحة هذه الصلاة المركبة من مذهبى مالك والشافعى، فدعوى بطلان التلفيق مطلقا بالاجماع غير مسلم . وإنما يبطل التلفيق إذا كان العمل الملفق باطلا باجماع المذاهب وهذا غير موجود فى الصور التى يصور بها التلفيق، وأما عدم قول اثنين من المجتهدين بصحتها فلا يقتضى الإجماع على بطلانها حتى يقال إن التلفيق مطلقا باطل بالإجماع على أنك قد علمت أن القول بأن كلا من المجتهدين يقول ببطلانها غير مسلم، فإن مالكا مثلا يقول إنما أقول ببطلان الصلاة إذا مسح بعض الرأس فقط إذا لم يقلد الشافعى أو أبا حنيفة وأما إذا قلد واحدا منهما فى ذلك فإنى أقول بصحتها بناء على قولى بصحة التقليد، وكذلك الشافعى أيضا يقول إنما أقول بعدم صحة الصلاة مع اللمس إذا لم يقلد غير فيها وأما إذا قلد غيرى ففيها فانى لا أقول ببطاتها على مذهب ذلك الغير . وبالجملة كما يجوز أن يوجد مجتهد يرى باجتهاده الاكتفاء بسمح البعض ولو قليلا ويرى عدم نقض الوضوء باللمس، يجوز أيضا للمقلد أن يقلد الشافعى فى مسح بعض الرأس ولو قليلا ولا يقلده فيما عدا ذلك من الشروط ويقلد مالكا فى عدم نقض الوضوء باللمس بلا شهوة فقط ولا يقلده فيما عدا ذلك كما قدمناه مفصلا عن السيد عبد العظيم المكى . وقال فى مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت فى مبحث الإجماع بصحيفة 235 جزء ثان . إذا اختلف ولم يتجاوز أهل العصر عن قولين فى مسألة لم يجز إحداث قول ثالث عند الأكثر، وجاز الإحداث عند طائفة مطلقا ومختار الآمدى والرازى إن رفع الثالث ما اتفقا عليه فممنوع إحداثه نحو مقاسمة الجد الصحيح للأخ كما عن أمير المؤمنين على وزيد بن ثابت، وحجبه أى حجب الجد الأخ عن الميراث كما عن خليفة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم أبى بكر الصديق وأمير المؤمنين عمر وابن الزبير عباس فقد اتفق الكل على أن للجد ميراثا وإنما اختلفوا فى القدر، فالحرمان وسلب الميراث عن الجد رأسا خلاف الإجماع فلم يجز إحداثه، وإلا أى وإن لم يرفع ما اتفقا عليه فى المسألة فلا يمنع من الإحداث للثالث كالتفصيل فى الفسخ بالعيوب البرص والجذام والجنون فى أيهما كان والجب والعنة فى الزوج والرتق والقرن فى الزوجة فقيل لا توجب الفسخ أصلا، وقيل نعم توجب الفسخ فى الكل . فالتفصيل لم يقل به أحد ولكن لا يرفع شيئا مما اتفقوا عليه بل فى البعض بقول البعض وفى الآخر بقول الآخر، فيجوز إحداثه، وفى التيسير عن بعض الشروح أن الأقوال الثلاثة مشهورة عن الصحابة . مع حذف وزيادة للايضاح به، وفيهما من مسألة لا يرجع المقلد عما عمل به قال بصحيفة (406) من الجزء المذكور ويستخرج منه أى مما ذكر أنه لا يجب الاستمرار على مذهب جواز اتباعه رخص المذاهب ولا يمنع منه مانع شرعى، إذ للانسان أن يسلك الأخف عليه إذا له إليه سبيل بأن لم يظهر من الشرع المنع وبأن لم يكن المختار كما قدمه وكان عليه وعلى آله وأصحابه والسلام يحب ما خف عليهم . وما لابن عبدالبر أنه لا يجوز للعامى تتبع الرخص، فأجيب عنه بمنع هذا الإجماع إذ فى تفسيق الرخص عن الإمام أحمد روايتان ولعل رواية التفسيق إنما هى فيما إذا قصد التلهى فقط لا غير . وما أورد أنه يلزم على تقدير جواز الأخذ بكل مذهب احتمال الوقوع فى خلاف المجمع عليه إذ ربما يكون المجوع عمل به مما لم يقل به أحد فيكون باطلا . كمن تزوج بلا صداق اتباعا لقول الإمامين أبى حنيفة والشافعى رحمهما الله تعالى وبلا شهود اتباعا لقول الإمام ملك وبلا ولى على قول إمامنا أبى حنيفة فهذا باطل اتفاقا . أما عندنا فلانتفاء الشهود، وأما عند غيرنا فلانتفاء الولى . فأقول مندفع لعدم اتحاد المسألة، وقد مر أن الإجماع على نفى القول الثالث إنما يكون إذا اتحدت المسألة حقيقة أو حكما فتدبر، ولأنه لو تم لزم استفتاء مفت بعينه وإلا احتمل الوقوع فيما ذكر . ومن هذا يعلم أن مسألة التلفيق مبنية على مسألة إحداث قول ثالث إذا انحصر خلاف المجتهدين فى عصر فى قولين . ففى كل موضع يمتنع فيه إحداث القول الثالث . بأن يكون القول الثالث مخالفا للاجماع يمتنع فيه التلفيق أيضا إذا خالفت الصورة الملفقة إجماعا، وأما إذا وافق بعضها قول مجتهد وخالفه بعض آخر وافق فيه مجتهد آخر كالصورة المذكورة . فالتلفيق غير ممتنع ومن ذلك يعلم أن دعوى الإجماع على منع التلفيق مطلقا دعوى لم يقم عليها دليل بل قام الدليل على بطلانها، وأن ما قاله العلامة الأمير من أن المعتمد أنه لا يشترط عدم التلفيق . وحينئذ يجوز مسح بعض الرأس على مذهب الشافعى وفعل الصلاة على مذهب المالكية . وكذا الصورة المتقدمة ونحوها وهو سعة ودين الله يسر . - قول صحيح وهو الذى تقتضيه النصوص الشرعية أصولا وفروعا . كما أنه يعلم أنه لو اغتسل غسلا واجبا وتوضأ وضوءا واجبا من ماء قليل يستعمل فى رفع حدث مقلدا لمذهب مالك وترك الدلك مقلدا لمذهب الشافعى يكون غسله أو وضوؤه صحيحا مثل الصورتين المذكورتين فى السؤال ومثل غيرهما من الصور التى لا يضر فيها التلفيق بين مذهبين أو مذاهب متعددة متى لم يكن هذا التلفيق خارقا للاجماع . وأما إذا كان التلفيق خارقا للاجماع بأن كانت الحقيقة المركبة يقول ببطلانها جميع المجتهدين ولا يمكن لمجتهد آخر على فرض وجوده أن يقول بها كحرمان الجد من الميراث بالكلية فالتلفيق باطل بالاجماع . كما أن إحداث قول بحرمان الجد بالكلية باطل بالإجماع .